الحركة الإسلامية والإختراق الأمني المزمن
بقلم/ د. طارق محمد عمر
حسن البنا
منذ ميلادها في العام 1938م يمدينة القاهرة على يد المفكر التنفيذي الإسلامي/ حسن البنا رفعت الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) شعارات عظيمة وبراقة جذبت اليها الشباب من الجنسين حيث رأوا فيها أمانيهم في إقامة الدولة الراشدة، وكانت أبرز تلك الشعارات : الإسلام هو الحل ، المسلمون قادمون ، خيبر خيبر يايهود الإسلام سوف يعود ، لا شرقية ولا غربية إسلامية مية المية ، الإسلام ديننا والقرآن كتابنا ومحمد رسول الله (ص) قدوتنا وقائدنا ، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا .
كما رفعت شعارات العدالة الإجتماعية ، ومع تقادم السنوات رفعت شعارات مثل لا لأمريكا ، الموت لأمريكا ، لا للشيطان الأمريكي ، لا للإستعمار الحديث ولن تحكمنا الـ C.I.A. وغيرها من الشعارات التي إنشرخ بها حلقوم الشباب ، ولكن السؤال المفصلي هو لماذا فشلت الحركة الإسلامية في العالم عامة وفي السودان خاصة في تطبيق أي من الشعارات المرفوعة منذ أكثر من ستين عاماً؟!!
وللإجابة على هذا السؤال الخطير لابد من الرجوع لأصل الحكاية !! لأن أغلب أعضاء الحركة الإسلامية غير ملمين بتفاصيل وحقائق نشوء الحركة ، حيث لم تكن البداية في مكة المكرمة ولا المدينة المنورة ولا في أي من البلاد الإسلامية !! لقد كانت البداية في العاصمة الفرنسية باريس ذات المخابرات الكفؤة ومخابرات الكنيسة العريقة ومهد الماسونية (البناءون الأحرار) ومركز انتشارها نحو العالم وركنها الركين ، هناك كانت البداية حين إلتقى صاحب الفكرة جمال الدين الأفغاني برجل الدين الشامي الإمام/ محمد عبده؟!! ، وكان الإثنان يحاولان زيارة العاصمة البريطانية لندن بجهد جهيد وقد وفقا لاحقاً؟!! كان ذلك في الربع الأول من القرن العشرين .
عمل الإمام /محمد عبده على نشر فكرة الاخوان من خلال دروسه التي كان يلقيها في المساجد المصرية لتلامذته الذين أعجبوا بها أيما إعجاب، ولكن الذين عزموا على تطبيقها كانوا قلة ، وعلى رأسهم الإمام/ حسن البنا ... ولم تكن البداية موفقة ، فبدلاً من أن يتجه البنا إلي المساجد ودور العلم وأهل الصلاح والفلاح إتجه صوب الخمارات والمراقص والملاهي والمقاهي لإستقطاب وتجنيد عناصر يقوم عليها تنظيم الإخوان الفكرة ، لكنه لم يفطن إلى أن هذه المواقع الهابطة كان مركزاً أساسياً لفرع المخابرات المركزية الأمريكية الـ C.I.A. بالقطر المصري ، وأنها اتخذتها أوكاراً لتجنيد العملاء ومقابلتهم وامتصاص ما بحوزتهم من معلومات وتزويدهم بالمال ، وهو أمر يشير إي ضعف الحس الأمني لدى الإمام/ البنا وفقر ثقافته الاستخبارية ، وعدم تمتعه بفراسة المؤمن البسيط.
وبكثرة تردد الإمام/ البنا على تلك الأوكار الشيطانية فهم عملاء المخابرات الأمريكية مقصده ورفعوا تقريراً للسفارة الأمريكية بالقاهرة تضمن تفاصيل القصة ، وقامت السفارة بإرساله إلى رئاسة المخابرات في واشنطن دي سي ، وتم إخضاع التقرير لدراسة متأنية وفحص دقيق وتوصل المحللون إلي أن دعوة البنا تهدف لإحياء جذوة الإسلام الأصولي القابل للتمدد في أرجاء المعمورة الشئ الذي يهدد مصالح الدول التي لا تدين بالإسلام كالولايات المتحدة وأوربا وفق ما يفهم الغرب ... قامت المخابرات الأمريكية بوضع خطة لإختراق جماعة الإخوان المسلمون في مهدها والسيطرة عليها وكلفوا لهذا الغرض ضابط المخابرات كيرمت روزفلت الذي يعد أحد أكفأ الضباط الأمريكيين وهو حاصل على درجة الدكتوراة في مادة التاريخ وسبق له أن عمل في دولة ايران ثم أستاذاً جامعياً في بيروت كغطاء لنشاطه الاستخباري ، وما أن وصل أمر التكليف للضابط كيرمت قام على فوره بإنهاء عمله في الجامعة وسافر صوب القاهرة ، وهناك درس فكر الجماعة وشخوصها ووضع خطة عملية لإختراقها ، ومما سهل عليه مهمته تردد البنا وأتباعه على تلك الحانات لإستقطاب وتجنيد روادها في التنظيم الوليد ، وقام بإنتقاء عدد من عملاء مخابرات بلاده من المترددين على تلك الأماكن وقام بتأهيلهم وإعدادهم لإختراق الجماعة وتمت العملية بسهولة ويسر ، واقتصرت مهمة هؤلاء الجواسيس والعملاء في بادئ الأمر على التجسس وتحديداً حصر وقيادة عضوية الجماعية وقيادتها والتعرف على مواقع سكنها وأفراد أسرها ومستواها التعليمي والثقافي وطبيعة عملها ومهامها التنظيمية ومدى المامها بفكر الجماعة وتفاعلها معه إضافة لعاداتها وأنماط سلوكها وطبيعة شخصياتها ومعرفة الأشياء التي يمكن أن تؤثر على أيّ منها ترغيباً وترهيباً ، واكتشاف مقارها وجهات التمويل.
وبمضي خمس سنوات من عمر الحركة رأت جهات الاختراق ضرورة التخلص من القيادات بأيدي الغير فتم زرع الخوف في نفس الملك فاروق وجهاز مخابراته تجاه الحركة فتمت تصفية الإمام/ حسن البنا واستمر المخطط في عهد الرئيس/ جمال عبد الناصر فأعدم عبد القادر عوده وسيد قطب وعدد آخر من القادة وتعرضت العضوية للتشريد والقهر والتجويع والزج في غياهب السجون.
إنتشرت حركة الإخوان المسلمون نحو العديد من دول العالم عن طريق الشباب والطلاب وهي تعاني الاختراق ، ووصلت السودان منتصف أربعينات القرن العشرين فتلقفها الحزب الشيوعي السوداني وزرع عناصره السرية في الخلايا الأولى للتنظيم ، والراجح ان إتصالاً قد جرى بين الحزب الشيوعي المصري الذي كان يتزعمه اليهودي هنري كورييل بالحزب الشيوعي السوداني بهذا الصدد ، ومعلوم أن اليهود يسيطرون على المخابرات المركزية الأمريكية وبين الجانبين التحام فكري وعضوي، يذكر أن الاغلبية الساحقة من أعضاء الحزب الشيوعي السوداني لا تعلم أن حزبهم قد أسسه في العام 1917م ثلاثة من اليهود الأرمن الذين جاء بهم المستعمر الانجليزي ، وبمضي خمس سنوات من الإختراق الشيوعي لتنظيم الإخوان المسلمون في السودان تمكنت العناصر الشيوعية من إمتلاك ناصية التنظيم وبدأت في تمرير الفكر والخطط الشيوعية بإسم الإخوان ، فتم ابعاد الشيخ على طالب الله وآخرين من الأتقياء الأنقياء، لتظهر الأجندة الشيوعية بشكل سافر في اجتماع تنظيم الإخوان بنادي الخريجين في العام 1949م الذي أوصى باجتثاث الطائفية (الرجعية) ورموزها واجتثاث المؤسسات والشركات الاقتصادية السودانية وأصحابها لإرتباطهم بدول الاستعمار واجتثاث الأحزاب السودانية ورموزها وغيرها من التوصيات التي تشكل أماني في الضمير السري للشيوعيين ، وعقب استقلال السودان بعام ظهرت مشكلة المعونة الأمريكية على الساحة السودانية فرفضها الحزب الشيوعي السوداني بإعتبارها إستعماراً جديداً وجاء رفض الأخوان المسلمون بذات العبارة !! علماً بأن المعونة الأمريكية استهدفت تشييد الطرق والمصانع والمزارع والمناشير الخشبية وإقامة المعاهد الصناعية والفنية ، ودعم البلاد بالغذاء والدواء والمعـدات الطبيـة والزراعية والتعليمية وهـي أمـور لا يرفضها عاقل لاسيما وأن السودان كان في أمس الحاجة لتلك المساعدات.
جاءت ثورة 17 نوفمبر 1958م بقيادة اللواء / إبراهيم عبود فعملت على تحقيق رفاهية الشعب السوداني اقتصاداً وأمناً وصحة وثقافة ورياضة وعلاقات إقليمية ودولية، ووقف ضدها الحزب الشيوعي السوداني لأنها حدت من نشاطه الذي اعتبرته نوعاً من التخريب فصادرت ممتلكاته ودوره وكشفت أوكاره وخططه وجهات تمويله واعتقلت قادته ، كما وقف ضدها تجمع الكنائس العالمي الذي اتخذ من جنوب السودان وجنوب كردفان والجنوب الشرقي للسودان مركزاً لإنطلاق نشاطه التبشيري والأمني ، وكان السبب وراء ذلك يعود للنشاط الإسلامي والعروبي لحكومة عبود حيث عملت على نشر الإسلام في تلك الربوع عن طريق نشر اللغة العربية وتعريب المناهج وبناء المساجد ودعم وزيادة عدد الخلاوي ، واستقدام عدد من شباب تلك المناطق الي أمدرمان لدراسة الشرع الإسلامي بمعهد أمدرمان العلمي وإعادتهم لمناطقهم كدعاة ، وهي أمور صبت في مصلحة الحركة الإسلامية السودانية دون جهد منها ، فكانت المفاجأة أن وقف زعيم الحركة الإسلامية د. ترابي في ندوة جامعة الخرطوم بالميدان الشرقي لمناقشة قضية جنوب السودان وذلك في العام 1964م لتشتعل بعدها مظاهرات عارمة أدت لسقوط عدد من الشهداء والجرحى ومن ثم الإطاحة بالنظام القائم ، حتى أن بعض الشيوعيين ظنوا د. ترابي أحد كوادرهم السرية التي كانت تدرس بالخارج ، مما يؤكد تعمق الإختراق الشيوعي للحركة الإسلامية لدرجة تبنيها للأفكار والأطروحات الشيوعية ، وبعدها أصبح الشعب السوداني يندب حظه العاثر لإطاحته بحكومة عبود .
جاءت ثورة 25 مايو 1969م عروبية شيوعية بتخطيط ودعم من الحزب الشيوعي السوداني ، فتحركت الخلايا الشيوعية السرطانية المخترقة لتنظيم الأخوان لتنظيم مجزرة الجزيرة أبا وودنوباوي في العام 1970م ، وقد أقنعت تلك الخلايا (الملتحية زوراً ) قيادة الحركة الإسلامية لتحريض امام الأنصار وزعيم حزب الأمة الإمام/ الهادي المهدي بضرورة التصدي للنظام الشيوعي الوليد ، فذهب نفر كريم وصادق من أبناء الحركة الإسلامية على رأسهم د. محمد صالح عمر والكاروري الكبير ومهدي ابراهيم ود. قطبي المهدي وآخرين للإمام / الهادي في الجزيرة أبا وأقنعوه بمقاومة النظام وأن النصر سيكون حليفهم لا محالة ، ولم يكن الإمام / الهادي وأعوانه مهيأين لمثل هذه المواجهة لا من حيث العدد ولا العدة ، فكانت أعدادهم محدودة مقارنة بالجيش السوداني وليس لهم إلا بعض الأسلحة النارية المتخلفة والسلاح الأبيض بينما امتلك الجيش السوداني أسلحة نارية ومدافع متوسطة وبعيدة المدى ودبابات وعدد من الطائرات الحربية إضافة لجاهزيته القتالية من حيث الإعداد العسكري والنفسي والتنظيمي وكفاءة قادته في إدارة الحروب ، وتمت محاصرة الجزيرة أبا من جميع النواحي وبمختلف الأسلحة ودارت المعركة غير المتكافئة فحصدت المدفعية والطائرات السودانية والمصرية تلك الأرواح البريئة وتمت ملاحقة الإمام الهادي وإغتياله بشرق السودان ، بينما أغتيل الأستاذ الجامعي د. محمد صالح عمر عند محلج مدينة ربك بالقرب من الجزيرة أبا ، فإذا رجعنا لإجتماع نادي الخريجين 1949م وما ورد فيه من ضرورة اجتثاث الطائفية والحزبية ورموزها مقروءاً مع مجزرة الجزيرة أبا يتضح أنها تطبيق عملي لما ورد في ذلك الإجتماع المخترق ، إضافة لتصفية المخلصين المتحمسين للجهاد من أبناء الحركة الإسلامية ، والأمر يعد سقطة عظيمة لقيادة الحركة الإسلامية ذلك أنها إن تشاورت مع أي (أمباشي) في الجيش السوداني لأفادها بأن مثل هذه المعركة خاسرة ابتداء لأنه من غير المنطقي أن تحصر نفسك في جزيرة محاطة بالمياه من جميع النواحي وأنت ضعيف العدة والعدد لتجابه جيش نظامي يقاتل براً وبحراً وجواً تتعطش قيادته الشيوعية للدماء الإسلامية ، لقد كانت هناك ألف وسيلة ووسيلة لمقاومة النظام الشيوعي وبأقل خسائر ممكنة ، ولكنه الاختراق المفضي للموت والدمار.
منتصف السبعينات فكرت قيادة الحركة الإسلامية في إبتعاث عدد من كوادرها الطالبية للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية فطار زعيم التنظيم الي بريطانيا للقاء البروفسير الأمريكي / مايكل هللني المقيم في العاصمة لندن وهو من كبار مستشاري جهاز المخابرات المركزية الأمريكي ، حيث التقاه عدة مرات بمنزل السفير السوداني ونسقا أمر سفر ودراسة هؤلاء الطلاب في الولايات المتحدة !! والمدهش أن غالبية هؤلاء الطلاب جاءوا من أقاصي أرياف السودان تدهشهم المدن الولائية وتبهرهم العاصمة الخرطوم وتحكي عنهم الكثير من الطرائف فبعضهم عند وصوله الي محطة سكة حديد الخرطوم كان يؤشر الي باصات المدارس ذات اللون الأصفر وهو ينادي تاكسي تاكسي !!؟، مثل هؤلاء الطلاب الطيبين البسطاء يسلم قيادهم زعيم التنظيم الي دهاقته المخابرات الأمريكية ، لقد عادوا بنفسيات أخرى ورؤى جديدة فأقصوا زعيم التنظيم وزجوا به في غياهب السجون.
فكرت قيادة الحركة الإسلامية في الإطاحة عسكرياً بنظام اللواء/ جعفر محمد نميري فأرسلت كوادرها الطالبية ضمن كوادر حزب الأمة والإتحادي الي معسكرات التدريب في أثيوبيا ثم في صحاري ليبيا ، ولم تدرك قيادة الحركة أن تلك المعسكرات كانت مخترقة بواسطة الشيوعيون الموالين لنظام النميري وبأفراد من جهاز الأمن القومي والأمن العام وبواسطة قنصل السودان في ليبيا إضافة لمباحث أمن الدولة المصرية والمخابرات الأمريكية التي تجسست على تلك المعسكرات وتحرك القوات عن طريق طائرات التجسس ، كل هذا حدث ولم تدرك قيادة التنظيم أن الأمر مكشوف برمته مما يؤكد أنها كانت فاقدة للإحساس الأمني وأنها دفعت بخيرة أبناء السودان الي مذبحة تاريخية لم يكن لينجو منها أحد لولا ضعف التنسيق الذي كان حادثاً بين جهاز الأمن القومي وإدارة الاستخبارات العسكرية.
وعلى الرغم من تجسس المخابرات الأمريكية على معسكرات المعارضة في ليبيا لصالح نظام اللواء / جعفر محمد نميري استجابت قيادة الحركة الإسلامية لطلب المخابرات الأمريكية بفتح مراكز لتجنيد الإسلاميين للسفر الي أفغانستان لطرد الإحتلال السوفيتي المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية ، وكانت هذه أخصب الفترات التي استطاعت فيها المخابرات الأمريكية الاحتكاك بالشباب الإسلامي وتجنيد عدد محدود منه ولكنه ذو تأثير كبير.
ومثلما كافأة المخابرات الأمريكية نظام الرئيس نميري بإتفاقية أديس أبابا للسلام في العام 1972م لبطشه بالحزب الشيوعي ، تمت مكافأة قيادة الحركة الإسلامية بالمصالحة الوطنية مع نظام جعفر نميري في العام 1977م لإستجابتها المشاركة في حرب تحرير أفغانستان ، وبذا أصبح الإسلاميون شركاء لعدو الأمس وشيدوا المصارف والشركات والمؤسسات الإسلامية التي اغتنى منها عدد منهم بطريقة مخجلة.
في العام 1979م إختلى الزعيم الإسلامي د. ترابي بنفسه وراودته فكرة الإستيلاء على السلطة والإنفراد بحكم البلاد بعد عشر سنوات ولم يطلع على هذه الفكرة إلا عدد محدود من الإسلاميين الذين يثق فيهم وللحقيقة والتاريخ فإن هؤلاء النفر كتموا هذا السر في أنفسهم وبالتالي لم تدركه المخابرات الأمريكية التي تفاجأت بإنقلاب 30 يونيو 1989م فغضبت أشد الغضب من تصرف الإسلاميين المفاجئ لها وعزمت على اجتثاث ثورة الإنقاذ الوطني بطريقة تكون نموذجاً لكل الحركات الإسلامية في العالم التي تفكر في حذو انقلاب الخرطوم ، وقد صرح بذلك علناً الرئيس الأمريكي بل كلنتون في العام 1992م عندما فاز بانتخابات رئاسة الجمهورية.
لكن المفاجأة تمثلت في النظام السياسي والإداري والعسكري لثورة الإنقاذ الوطني إذ جاء مطابقاً لما هو كان حادثاً في ثورة مايو 1969م حيث طبقت فكرة الدفاع الشعبي التي تماثل قوات الحرس الوطني وطبقت فكرة اللجان الشعبية في الثورتين وتم تطبيق قانون الإحالة للصالح العام وهو يطابق عملية التطهيرمن الخدمة العامة التي طبقتها مايو كما تمت محاربة الإدارة الأهلية في كل من الثورتين ، كما جرت عمليات المصادرة لأموال عدد من الشركات والبيوتات التجارية ورجال الأعمال في العهدين ، كما طبق نظام الحزب الواحد هنا وهناك الأمر الذي يؤكد بجلاء الإختراق الشيوعي الكبير للحركة الإسلامية السودانية.
لقد إستولى الإسلاميون الحقيقيون على السلطة في العام 1989م لأجل اقامة دولة الشرع والعدل والأمن والكفاية ، ولكنهم فوجئوا ابتداء من منتصف العام 1990م بإنضمام شخصيات لا علاقة لها بالتنظيم ولا تشبه الأخوان في مظهرها أو جوهرها فكان منهم الموقوذة والنطيحة (وما أكل السبع) وبينهم من هو أنعم من النساء ملمساً وأندى صوتاً وأكثر تكسراً وبدأوا بنشر الفساد الأخلاقي في الأوساط الحكومية المحيطة بالإسلاميين ، ثم اتجهوا لبذر بذور الخلافات الأسرية بين الزوج وزوجته والخطيبة وخطيبها والأخ وأخيه ، ثم أحدثوا خلافات بين الإخوان التنظيميين وذلك بالوقيعة بينهم بالفتن وقول الزور ، ثم اتجهوا لتسريب المعلومات السرية لسفارات دول صديقة للسودان بهدف الاضرار بعلاقات البلاد الخارجية ثم عملوا على دق اسفين الخلاف بين القادة أنفسهم وبينهم وبين الفاعلين من القيادات الوسيطة والدنيا ، ثم أحاطوا بالقيادات إحاطة السوار بالمعصم فأصبحوا عينهم التي تبصر وأذنهم التي تسمع ويدهم التي تنفذ.
ثم شجعوا حياة الرفاهية بالأموال العامة واستباحوها وشجعوا أعداداً محدودة من الأخوان على ذات النهج فسقطوا في فخاخهم وشيدوا العمارات والضياع والمزارع وركبوا فاره السيارات وأكلوا مالذ وطاب لهم وأكثروا من التسفار بسبب وبدون سبب ترويحاً للنفس وجمعاً للدولارات وفعلوا كل منكر حتى أن بعضهم ترك صلاة الفرض وصيام رمضان.
ثم أوغروا صدر القيادات التي سبق أن درست في الولايات المتحدة تجاه رمزها وقائدها د. ترابي فحاصروه وهمشوه وزجوا به في غياهب السجون ، ثم استداروا نحو الصادقين من الأخوان الأكفاء فشردوهم من وظائفهم وصادروا أموالهم بمختلف الطرق المباشرة وغير المباشرة فتشردت العديد من الأسر التي كانت مطمئنة بالأمس ، وزجوا بأعداد مقدرة منهم في السجون فأصبحت رؤيتهم تذكر بقول الله تعالى
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على مايفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).
واستمرت عمليات الإختراق الأمريكية بمعاونة أجهزة المخابرات الأوربية والتنظيمات السرية الموالية للغرب وإسرائيل تتعمق في التنظيم حكومة ومعارضة حتى سيطرت على الجانبين تمام السيطرة وانعكس ذلك وبالاً وعذاباً على الإسلاميين الصادقين والشعب السوداني الصابر الأبي.
إن المسئولية المباشرة لما حدث للحركة الإسلامية تقع على عاتق الدكتور/ حسن عبد الله الترابي لإفراطه في الثقة بنفسه ومن حوله بينما كل إبن آدم خطاء ، كما أنه لم يكلف نفسه عناء فحص أقرب الناس إليه ووقع تحت تأثير العملاء والجواسيس المزروعين في جسم التنظيم فأعطى المال والسلطان لمن لا يستحق وحرم الأكفاء والقى بهم إلي قارعة الطريق فأصبحوا نهباً لأجهزة المخابرات المعادية وللتنظيمات السرية التي تستلذ بتعذيب المسلمين خاصة الأمناء منهم.
على الدكتور / الترابي الذي بلغ الثانية والثمانين من العمر أن يتفرغ لكتابة مذكراته حتى تستفيد منها أجيال المستقبل ، وعليه أن يكثر من الإستغفار وطلب العفو ممن تسبب لهم في مصائب لم يعرف مثلها التاريخ القديم ولا الحديث ، وعلى الإسلاميين الصادقين أن يعملوا على تضميد جراحاتهم ويجمعوا صفوفهم ويتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى ، وأن يراجعوا المنهج الفكري والتنظيمي الذي سبق إتباعه وذلك بمقارنته بالكتاب والسنة النبوية المطهرة فيأخذوا صحيحه ويطرحوا باطله.
وما التوفيق إلا من عند الله.