محمد أبو راتب
عمل محمد أبو راتب 30 عامًا في خدمة فن الإنشاد.. هز القلوب عندما غنى "الحر ما يموت إلا مرة.. والموت أحلى من عيشة مُرة".. لا يعتقد في أن صوته وسيلة للتكسب، ونهى المنشدين عن التفرغ التام للإنشاد؛ حتى لا ينشغلوا بجمع المال عن الإبداع في أعرق فن إسلامي.
يعتز أبو راتب بفنه وصوته ومنهجه وبلده سوريا.. حالة فنية خاصة بما يمتلك من حنجرة ذهبية، ويمتعض عندما يجد على ساحات الحوار على الإنترنت تعليقات على غرار "أين أنتم يا منشدين من سامي يوسف؟".. ورغم ذلك لم يتراجع خطوة، فقد دافع عن المنشدين بقوة، وأسس مع شركاء رابطة الفن الإسلامي -وهو رئيس الرابطة حاليا- للتدريب وللارتقاء وللتأسيس العلمي للإنشاد الإسلامي.
قضايا كثيرة كان لا بد من طرحها على بساط "أبو راتب" الشجي حول الفن الإسلامي، ورأيه في الرسالة الفكرية التي يحملها فنه، والفرق بين النشيد والغناء الملتزم، وموقفه من استخدام الموسيقى في النشيد الإسلامي وغيرها من القضايا الشائكة، وفيما يلي نص الحوار:
الفن.. رسالة
* ما هو الفرق بين الغناء والإنشاد؟
- في الغناء يوجد ثلاثة ألوان: العادي (الغناء الذي يتناول الحب والعشق)، الهادف (الغناء للقيم والوطن)، الملتزم الإسلامي (الالتزام بفكرة معينة، وينضبط بضوابط شرعية توافق جميع العقول التي تلتزم بهذه الفكرة).
والنشيد الإسلامي؛ هو فن غنائي يؤدي رسالة في خدمة العمل الإسلامي، والفن الإسلامي، والفكر الإسلامي، فهو يحمل فكرة ويخدمها من خلال النشيد، ولا يؤمن بالمقولة التي تقول: الفن للفن.
والإسلام أتصور ليس عنده فن فقط لمجرد الفن، فهذه مقولة غربية، وكل شيء في حياة المسلم من أجل رسالة: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فطعامنا وشرابنا عبادة، وحتى النوم واللهو عبادة.
* ولكن الترفيه جزء من العبادة، فلما لا يكون القاسم الأكبر من دور الفن للترفيه؟
- الترفيه عن النفس رسالة، كي يستطيع الإنسان أن يواصل مسيرته ويؤدي أدواره، إذا تحققت هذه الإيجابية يكون الترفيه عبادة. إذن النشيد فن غنائي ينضبط بضوابط الفكر الإسلامي ويؤصل فكرة معينة، وعندما تسمع هذا الفن يتأثر قلبك تأثرا إيجابيا.
الكلمة هي الأساس في الأنشودة الإسلامية وليست الموسيقى، فهناك خلافات فقهية على إباحة استخدام الموسيقى، ولا أنكر على من يستخدمها، ولكن الأنشودة الإسلامية تعتمد بالأساس على موسيقى الكلام والأداء الرجولي بما تحمل الكلمة العربية من موسيقى معينة؛ وهذا ما نستخدمه لتوصيل الرسالة.
وهنا أقول: إنه على المنشد إذا أخذ بفتوى الموسيقى ألا يجعلها هي الأساس كما يحدث في الغناء، حيث تكون المقدمة الموسيقية كبيرة، ولا تعار الكلمات أهمية، وبالتالي يصبح موضوع الأنشودة عائما وغير واضح المعالم.
أنا شخصيا لا أستخدم الموسيقى في أناشيدي، ولكن أستخدم بعض المؤثرات الصوتية والإيقاعات للضبط الفني. وعلى المنشد إذا أخذ بفتوى الموسيقى الاكتفاء بالدف.
الخلاف لن ينتهي
* وما الفرق بين الإيقاعات والموسيقى؟
- الإيقاعات هي الدفوف التي فيها أقوال في إباحتها أكثر من الموسيقى، ويؤمن كم هائل من الملتزمين بفتوى الإيقاع؛ لذا أحاول أن أمثلهم، وأكون وسطا بين من لا يستخدمون الإيقاعات تماما ومن يستخدمون الموسيقى بإسراف، فلن ينتهي هذا الخلاف الفقهي حول الغناء والإنشاد.
* هل الموسيقى هي الحد الفاصل بين الإنشاد والغناء؟
- لا لم أقل ذلك، هناك ضوابط شرعية تحقق الفكر الإسلامي، ولكن رابطة الفن الإسلامي استبعدت الموسيقى في أولويات صناعة الفن الإسلامي.
* ولكن أنت درست في المعهد العربي للموسيقى، هل معنى ذلك أن المنشد يجب أن يتكئ على دراسة الموسيقى حتى وإن استبعدها في أناشيده؟
- أنا درست الموسيقى عندما كنت صغيرا، ولم يتوفر لي مدرس مقامات؛ لأن الغناء الإسلامي يعتمد على المقام، وكثير من المنشدين درسوا المقامات دون تعلم آلات العزف، ودراسة الموسيقى لا تعني دراسة الآلات فقط، ولكن أيضا الصوت والمقامات.
فعلم الموسيقى هو علم النغم والصوت، ولكن يعبر عنه بآلات موسيقية، ويمكن أن يعبر عنه الإنسان بصوته دون الآلات. وفي الرابطة نؤمن أن الكلمة وموسيقاها هما الأساس، ويجب ألا يضع المنشد أمامه المطربين العاديين، ولكن يطور الأنشودة في مجالي الكلمة والموسيقى.
ولا أنكر على من يستخدمون الموسيقى والمؤثرات الصوتية مثل: سامي يوسف، إيمان البحر درويش؛ إذ إنهم لهم جمهور عريض يتأثر بهم.
ذو خطاب قيمي
* بمناسبة الحديث عن سامي يوسف، ذكر د. علي العمري المسئول عن الجائزة العالمية لخدمة العالم الإسلامي أنه كان هناك ترشيح لسامي يوسف لحصد جائزة الإنشاد، ولكن القائمين على الجائزة رفضوه؛ لأن لهم ملاحظات شرعية على فنه، وأخذتَ الجائزة بدلا منه، فما هو تعليقك على ذلك؟ ولماذا نجح سامي يوسف أكثر من بقية المنشدين الذين بذلوا أعواما مديدة في خدمة هذا الفن الأصيل؟
- تندرج ظاهرة الأخ سامي تحت التطور الذي واكب الفن في الفترة الأخيرة، والنجاح السريع له مقومات مختلفة: ماذا تغني؟ بالإضافة إلى التسويق والشكل الجميل وتعدد اللغات.
والناس احتفوا بسامي؛ لأنهم رأوا فيما يقدمه غناء عاديا ذا خطاب قيمي، فظاهرته تؤكد نجاح الأغنية العادية عندما ترتقي عن "الفسافس" التي يقدمها الفيديو كليب حاليا.
فلا يمكن مقارنة سامي يوسف بأي منشد؛ لأنه لا يحقق كل مواصفات النشيد، هو فنان ومغنٍ استطاع أن يلامس وترا معينا في قلوب الناس.
* وما هو المطلوب من الغناء الإسلامي بخلاف ما قدمه سامي يوسف؟
- سامي يوسف استباح أمورا قد لا يوافق عليها الإسلام، مثل الموسيقى...
* هذا من وجهة نظرك؛ ولكن هناك العديد من العلماء الذين لهم ثقل شرعي أفتوا بإجازة الموسيقى؟
- نعم، أنا أتحدث عن وجهة نظر بعض العلماء وليس جميعهم، ولكن سامي نفى عن نفسه صفة المنشد من قبل، لا أدري هل يحتقر النشيد؟ وأريد أن أضع علامة استفهام حول تصريحه(1).
* قال إنه مغنٍ..
- إذن هو مع المغنين ذوي الفكر الملتزم، ولكنه يخرج عن دائرة النشيد الإسلامي، ولا أخفيك فنحن احترنا في تصنيفه؛ فلقد قدم ألوانا مختلفة من الغناء: أغنيات مصحوبة بالموسيقى، وأغنيات بدون إيقاع، فمارسيل خليفة مغنٍ ملتزم، ولكنه ملتزم بالفكر الأيدلوجي، هل نقول إنه منشد؟ لا نستطيع ذلك، ولكن سامي يوسف مغنٍ التزم بعموميات الإسلام، ولكنه ليس منشدا، وأنا أوافقه في تصريحه بأنه ليس منشدا.
* وهل ترى أن هذا سبب منطقي لعدم ترشيحه؟
- ماذا قدم سامي يوسف في تاريخه البسيط، لقد رُشح منشدون في الأعوام الماضية لهم تاريخ طويل، ولم يقدم سامي يوسف شيئا مؤثرا بعد يفيد العالم الإسلامي، هو جاء فقط بشكل جديد "إستايل"، ولكن كلماته معادة ومكررة، وهناك من سبقوه في خدمة العالم الإسلامي في مجال الغناء الديني.
وسامي يمثل الغناء الديني وليس الإسلامي، والغناء الديني هو فن يتحدث عن الدين بشكل مجرد؛ مثل الثناء على الله، ومدح الرسول. والفن الإسلامي يخدم الصحوة الإسلامية بغض النظر عن الجماعات.
والغناء الديني هو تغنٍّ ومدح للرسول، ولكني عندما أغني للسلام من وجهة نظر إسلامية فهذا غناء إسلامي، فالإسلام هو أكثر حركية من الدين، ويحمل مفهوما سياسيا للغناء، وهذا ما يميزني شخصيا عن سامي؛ لأني أغني غناء فكريا.
* ولكن الألبوم الثاني لسامي يحمل بعض الأغاني السياسية الاجتماعية، فمثلا يناقش قصة معاناة الفتاة المحجبة في الغرب، واتهام الغربيين لها بالتخلف..
- نعم.. بدأ يفعل ذلك، ولكن كما قلت لكِ لم نستطع تصنيف سامي حتى الآن نظرا لحداثة تجربته، وتنوع أغانيه.
حلم بقناة فضائية
* وماذا عن تجربتك في الإذاعة المحلية في الولايات المتحدة؟
- كانت ناجحة، وأثرت العمل الإعلامي هناك، وربما تتطور إلى تليفزيون محلي إسلامي إلى جانب قناة "جسور" الإسلامية، وإن شاء الله يكون بيننا تعاون في تسويق النشيد الإسلامي في الغرب.
* ما طبيعة المواد التي تنتجها مؤسسة الإنتاج الفني التي ترأسها؟
- عندي مؤسسة إنتاج فني إسلامي، ننتج أناشيد فكرية، وأناشيد جهادية، ومدائح، وركزنا على هذا اللون من الفن الإسلامي؛ لأن هناك مؤسسات تخصصت في إنتاج فنون وألوان أخرى، وأُنتج للعديد من المنشدين وليس لي فقط.
* هل هناك نية الدخول في إنتاج مجالات فنية أخرى غير الإنشاد بكافة أنواعه؟
- يمكن أن ندخل في الفيديو كليب والإنتاج التليفزيوني، وهذا حدث بالفعل معي ومع موسى مصطفى، ونركز الآن على إنتاج عدد كبير من الفيديو كليب نغذي به عددًا من القنوات الفضائية الإسلامية، إلى أن ننشئ قناة فضائية للإنشاد الإسلامي.
* هل أنت راضٍ عن الفيديو كليب الذي قدمه المنشدون؟
- كتجارب أولى هي جيدة، ولكن نحتاج إلى مؤسسات تدعم الكليب الإسلامي وتبدع فيه، وتنفق عليه، ونحتاج لخدمة مدروسة.
الرابطة نشاط مدروس
* ما هي المجالات التي استطاعت رابطة الفن الإسلامي أن تخدم بها0 الفن؟
- فكرة إنشاء الرابطة قديمة؛ ولكن تأسست على أرض الواقع عام 2003، ولها مقران في السعودية وأمريكا، واستطعنا في هذه الفترة القليلة أن نقيم مهرجانات فنية للمنشدين، ومؤتمرين علميين لتأصيل النشيد الإسلامي، وتحت خططها الاهتمام بفنون أخرى إسلامية مثل: المسرح، الفن التشكيلي، فن الخط الإسلامي. ومن أنشطتها جائزة الشباب العالمية، ووقعنا مذكرات تفاهم مع عدد من القنوات الفضائية الإسلامية، وعما قريب سترون برامج تليفزيونية تدعم الفنانين المسلمين، وتقلل الهوة بين الفن الإسلامي والفنون الأخرى.
وفي الرابطة نتفهم هذه الاختلافات، ولا نحتكر السوق لنا؛ وإن كنا نسعى ضمن إطار أسلمة الأشياء. ونحاول الالتزام بمقومات الإسلام في الفن، وهذا هو المقصود بالفن الإسلامي.